احتفل رئيس أساقفة بيروت، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر بالقداس الإلهي، في اليوم التاسع والأربعين لوسائل الإتصال الاجتماعي على نية الإعلاميين في لبنان والعالم، في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت، نهار الأحد في 31 أيار 2015 الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، عاونه فيه مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده أبو كسم والأبوان جان مارك نمر وعمانوئيل القزي، وشارك فيه وزير الإعلام رمزي جريج، نقيب محرري الصحافة اللبنانية الياس عون والمستشار الإعلامي في رئاسة الجمهورية والناطق باسمها رفيق شلالا، مستشار وزير الإعلام أندريه قصاص، أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام الأب البرفسور يوسف مونس، الأب انطوان عطالله، أمين عام الكتاب المقدّس د. ميشال باسوس، وأعضاء اللجنة، وفد من المجلس العام الماروني، إعلاميون ومصلون.

قبيل بدء القداس، ألقى أبو كسم كلمة من وحي المناسبة، قال فيها:"الأسرة هي مركز الحوار الأول، إذ يختبر الإنسان حدوده الخاصة وحدوده مع الآخرين ويتعلم مواجهة المعضلات بطريقة بناءة ويختبر تبادل الحب فيصبح الإنسان في تواصل حركي، يفرح ويحزن، يغضب ويسامح، فيها يعبر الإنسان عن رأيه من دون التنكر لرأي الآخر".

مطر

بعد الإنجيل المقدس، ألقى مطر عظة تمنى فيها كل الخير والمحبة لأهل الصحافة والإعلام، وقال: "نحتفل في هذه المناسبة المباركة مع الكرسي الرسولي في حاضرة الفاتيكان باليوم التاسع والأربعين لوسائل الاتصال الاجتماعي التي يطلق عليها في لبنان وفي العديد من دول العالم، تسمية وسائل الأعلام، على أنواعها. فنشكر أولا معالي وزير الإعلام في بلادنا، حضرة الأستاذ رمزي جريج المحترم، رجل العلم والقانون والثقافة، ملبيا دعوتنا بكل محبة للمشاركة في هذا القداس الإلهي. كما نشكر أصحاب المعالي والسعادة وممثلي المراجع الروحية والمدنية، وحضرة نقيب الصحافة والمحررين لحضورهم معنا في هذا الاحتفال المهيب".

أضاف: "لقد جئنا جميعا إلى هذا الهيكل المقدس لنرفع الصلاة الحارة من أجل الإعلاميات والإعلاميين في لبنان وفي المنطقة والعالم، لمناسبة هذا العيد، ليبقوا على الدوام أهل التواصل السوي بين الناس. رافعين لواء الحق والعدل عاليا، تحت شمس الحقيقة الساطعة، وفي دفء الخير والمحبة والسلام. وإننا نرفع الصلاة أيضا وفي المناسبة عينها، سائلين المولى عز وجل أن تتوقف الحروب الدامية المستعرة في منطقتنا وسواها من المناطق، حيث تهدر الدماء البريئة هدرا رخيصا وتتراجع الحرارة الإنسانية أمام غزو التقاتل المريب. وتسقط الوحدة الجامعة أمام جنون الانقسام الرهيب".

وتابع: "هل لنا أن نذكر هنا بما كتبه الحبر الأعظم البابا فرنسيس في الرسالة التي وجهها إلى العالم في يوم الإعلام هذا، مؤكدا "أن الأرض كلها هي مسكن واحد للبشرية جمعاء، وإن شعوب العالم يشكلون بنظر الرب خالقهم عائلة إنسانية واحدة، لا حدود بين أهلها ولا سدود. وهو ان وضعنا أمام هذه الصورة الجميلة، التي تفوق برونقها واقع الحال لأنه يكاد لا يمت إليها بصلة، فلكي يعلن للاعلاميين الأحباء، أن دعوتهم السامية تقوم في خدمة التواصل بين أفراد العائلة البشرية كلها وبالتالي في خدمة وحدة هذه العائلة وتماسكها وفي السعي إلى تحقيق أهدافها المرجوة على غير صعيد".

وقال: "إن أهل الإعلام في ضوء هذه الرؤيا البابوية الأخاذة، لا يمكن أن يكونوا فئويين ومتحزبين لفريق من الناس دون آخر. إنهم ملزمون قطعا بالحقيقة مهما كانت صعبة ومهما كلفهم هذا الالتزام. لكنهم مدعوون للتمييز على الدوام بين أعمال الناس التي تستحق التوصيف والانتقاد لا بل الاستنكار والإدانة، لكنهم يأبون الحكم على الناس أنفسهم داعين إياهم جميعا للعودة إلى إنسانيتهم وإلى بعضهم البعض في بارقة يقظة من الضمائر، فيستعيدوا أخوتهم وكرامتهم ويسيرون مجددا في إثر الحياة الحرة والكريمة التي زين الله بها صدور عباده أجمعين. بهذا المعنى يقول السيد المسيح في إنجيله المقدس قولا لم تكن البشرية قد اعتادت سماعه البتة، إذ يوصي "بمحبة الأعداء ومباركة الذين يلعنون وبالصلاة على الذين يضطهدون ويقتلون". إن هذا الكلام هو كلام وحيٍ إلهيٍ، والرب يعرف كيف يوحي وكيف يقود الناس إلى الخلاص. فمحبة الأعداء هذه تعني أن العداوة ليست من الله ولا من فطرة الإنسان الذي خرج من يد خالقه طاهرا نقيا. بل هي بالحقيقة ظرف طارىء عابر، والمطلوب هو أن تقتل العداوة في قلب الآخر وعلى يديه ليعود لذاته ولغيره إنسانا وأخا ورفيق درب وشريك حياة".

وتابع: "حيال هذه القمة السامية من الروح والطهر، يجد الإعلامي طريقه مفتوحة نحو خدمة الناس جميعا، بصون الحق والسعي إلى السلام المبني على التسامح وعلى العدل، وباعتبار أي إنسان قريبا في الإنسانية مهما أبعدته الظروف عن أقرانه المتواجدين في المقلب الآخر، وفي الطرف الآخر، وفي الجهة الأخرى نسبة لأي صراع من صراعات الوجود. وما دام كل وطن عائلة واحدة لأهله على تعدد مذاهبهم ومشاربهم، وما دامت الأرض كلها عائلة واحدة للناس أجمعين، وما دام الخلق كلهم عيال الله، فمن يكون غريبا حقا في هذه الدار الواحدة وفي العائلة الواحدة وفي الأوطان الواحدة؟"

أضاف: "نحن نعرف أن العالم ليس على هذه الصورة البهية على الإطلاق ، ونحن نعرف في وطننا الحبيب لبنان أن التفاهم بين أهله قد تعذر إلى هذا الحد وكأن شرخا عاموديا قسم بينهم وباعد إلى ما يشبه الفرقة والضياع. ونعرف أن بلاد العرب لم تعد بلاد سلام بين أهل الدين الواحد، والقومية الواحدة. إنها شرور تصيب الكون كله وتدل على حاجة الأرض كلها إلى فداء عظيم، وإلى خلق صورة جديدة لها تقربها ممن وسمها به ربنا في البدايات. ولكن أيظن الناس أنهم يتوصلون إلى تحقيق مشيئة ربهم عليهم عبر انتصار فئة على فئة وسحق جماعة منهم لجماعة أخرى؟ أم يكتشفون في النهاية أن طريق السلام في ما بينهم جميعا تمر في التقارب والحوار والمصارحة وإبعاد شبح الفتن والحروب عن خواطرهم وعن عميق أفكارهم والقناعات ؟ وهل يدري متقاتلون، أي متقاتلون، أن ما من قوة مادية سيطرت على الدنيا طويلا وأن الظالم اليوم مظلوم غدا ولا شك في ذلك ولا محالة؟"

وقال: "يا أيها الإعلاميون الأحباء، إن قداسة البابا يقول لكم اليوم أنكم أهل التواصل بين الناس، بمعنى أنكم أهل الوصل في ما بينهم وأهل الكلمة السواء والمواقف المنفتحة، ولستم أهل إضرام النار ولا استعارها. وإن الذي قال عن الحرب أن أولها كلام، يستطيع الإضافة أيضا بأن إيقافها يبدأ بالكلام عن هذه النهاية السعيدة لها أو عن رغبة في أن يتحقق ذلك للناس ومن أجلهم في دنيا الواقع. إن المسافة التي يجب أن نقطعها اليوم من ذاتنا إلى ذاتنا في لبنان وفي الشرق العربي والإسلامي المحيط، ليست يسيرة ولا قصيرة. ونحن نضرع إلى الله كي لا يسمح لهذه المسافة أن تزداد أو أن تتباعد، بل نتوق بكل جوارحنا إلى أن يطلع منا العقلاء وذوو الإرادات الحسنة ليرسموا لأهلنا من الناس طريق التفاهم والعودة إلى المودة والإخاء. فإننا نكاد نقول أيضا أن السماء التي أعطتنا من كتبها ما لم تعطه لشعب في الدنيا ولا لأمة من الأمم، قد تكون عاتبة علينا إلى حين ، أي إلى أن نتوب كلنا إلى الله توبة حقة فيرأف بنا من جديد ويفيض علينا من رحمته الواسعة وهو أبو المراحم وأرحم الراحمين". 

وختم مطر: "إذا تبوأ الإعلام سلطة في الدنيا، وهو كذلك، وإن كان للاعلاميين دور في خدمة الحقيقة وسائر أهداف الإنسانية الساعية إلى حسن مصيرها على كل صعيد، فإننا نرى في الإعلاميين هؤلاء وبكل إيمان وفخر عنصرا أساسيا من عناصر بناء المحيط الإنساني المنشود. فلهم منا شكرنا ودعمنا والله ولي التوفيق. ولسوف يفتتح البابا في الثامن من كانون الأول المقبل سنة الرحمة الإلهية في الكون. فلعلها تكون سنة الحلول التي تتوسمها الأرض لكثير من مشاكلها، ولعلها تتوسلها من إله الرحمة التي ينزلها الله في القلوب. فنسألك يا رب رأفة بنا ورحمة، ومن أجل بلادنا العطشى إليك فيضا سخيا من أنعامك وبركاتك. آمين