بالإذن من كل المذكورين...
الصراع بين السلطة والاعلام
جان عزيز - الاخبار ٢٦-٨-٢٠١٢
مضحك حتى الهستيريا هذا الصراع الدائر بين ما يفترض أن يكون سلطة وبين ما يجب أن يكون إعلاماً في لبنان،
مع أن فيه شيئاً مبكياً، هو أن ترى مثلث الحرية ــ الحقيقة ــ الصدق، يُسحل تحت دوسه النفاقي المجنون.
أي سلطة تلك التي تحاسب أهل الإعلام في لبنان، ولو في مسائل السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي العام؟
لا ضرورة لعرض سلوكياتها الراهنة أو سرد المخاطر.
ولا لزوم لتذكيرها بالأولويات، من الكيان والسيادة إلى الأمن والخبز والكرامة.
يكفي أن نخاطبها في بنيويات الحريات العامة وفي أساسيات مهنة الإعلام والاستعلام:
هي سلطة قانونُ مطبوعاتها من أيام مطابع صف الحروف وزمن «الامتياز».
وهو القانون نفسه الذي لم يصدر فرمانه قبل أكثر من نصف قرن، إلا لأن حاكماً انزعج يومها من عدد الصحف وتفقيسها الفطري، فقرر أن يكون لها سقف، وأن تكون له عتبة...
وهي سلطة، قانونُ مرئيها ومسموعها من تاريخٍ سابق للفايسبوك والتويتر ولكل تطبيقات التحميلات الصوتية والصورية على شبكة الإنترنت، ولكل الرقمي والفضائي والمتفاعل في التواصل.
وحتى قانونها المنتهي الصلاحية هذا، لم يولد إلا لأنه في لحظة من منتصف العام 1994 اعتقد رفيق الحريري أن الفرصة سانحة للانقضاض على بيار الضاهر لا غير...
سلطة لا تزال تُفتي في قوانينها أن لبعض أصنامها المنصَّبة ومومياءاتها المتكلسة حصانات، فلا يمكن ذكرهم ولا انتقادهم ولا قول الحقائق عنهم، ولو تلك المشهودة منها.
تصوروا لو أن بلداً ديموقراطياً، حيث تحاسِب السلطة، وقبلها رأيه العام إعلامَه، تصوروا لو أن بلداً كهذا اكتشف بالوثائق والأدلة أن اسم رئيسه وارد في قضية تزوير جواز سفر، ولم تجرؤ وسيلة إعلام واحدة على ذكر الخبر، ولا حتى على نقله عن الصحف الأجنبية...
أي صدقية تبقى فيه لإعلامه ولسلطته ولرأيه العام؟؟
سلطة لا تزال تعيّن في هيئتها التنفيذية وزير إعلام، فيما الصحاف قد تخلى عن صباغ شعره واعترف بمشيبه وذهب يمضي تقاعده منذ عقد في مرابع دبي الشرعية.
سلطة تقول أن لديها مجلساً وطنياً للمرئي والمسموع، ولم تعذب نفسها يوماً في قراءة صلاحية مجلس كهذا في بلد ــ وطن.
ولو من باب الحشرية، هل قرأوا معايير نظيره المجلس الفرنسي لإعلان انتخابي على سبيل المثال: في مدة الإعلان وكلفته وتوقيت بثه وتقنية التصوير ومؤثرات التوليف... وحتى في مواصفات اللقطة الواحدة، ضوءاً وإطاراً وزاوية وخلفية؟؟
سلطة لا تعرف أين تذهب بملفات نزاعات إعلامها، فترسل بعضها مباشرة إلى رأس هرمها الجزائي، إذا كان المدعي دعياً من نوع طاووسٍ مر.
وبعضها الآخر تحيله إلى سراديب استئنافٍ مسمىً محكمة مطبوعات. وبعض ثالث لا يبرح مكان ادعائه، في مقابل عشرين ألف ليرة ثمن نسيان ورقة أو ضياع عنوان.
سلطة لم تسأل بعد عن لوائح المستفيدين من تعويضات «الترميم المنجز» في عهد وليد جنبلاط. يوم قيل إن البيك الاشتراكي قدم مكرمة من نوع «تعويض بداية خدمة» لكل أهل العدالة في لبنان من دون استثناء، ولم تسأل من منهم قبض ومن منهم رفض، ليحق له أو لها بعد ذلك، أن يقبلا أو يرفضا مقاضاة صاحب رأي...
وفي المقابل تعالوا نعترف نحن معشر الصحافة والإعلام والخبر، بأننا لسنا ملائكة أيضاً.
نحن أهل الحرية ــ قال ــ من رضي أن يعيش عقوداً في ظل نقيب صحافة لا يملك صحيفة ونقيب محررين ليس محرراً.
نحن رواد الدينامية الإصلاحية ارتضينا ممثلاً عن أرباب عملنا ليس رب عمل، وممثلاً عن عمالنا ليس عاملاً منا.
وأمضينا عقوداً نبرر ونسوغ ونلمع ونبيض ونتندر بأخبار «المظاريف المختومة» وانتخابات الإجماع ولو لم يجتمع أحد...
نحن من يعيش اليوم في ظل قطاع إعلاني لا يكفي إلا لمحطة واحدة من شاشاتنا الفضية، ولإذاعتين وبضع صحف.
نحن من يدرك أننا جلّنا نحيا على المال السياسي والدعم غير المنظور ودفاتر الحسابات المتعددة.
نحن من نعرف بعضنا كلنا في بلد لا أسرار فيه ولا أحاجي ولا مخفي، إلا بقدر كذبنا على أنفسنا وخبثنا الذاتي.
نعرف عثراتنا وزلاتنا ونزواتنا ونقاط ضعفنا حيال كل صاحب سلطة أو سطوة أو مركز أو مال.
حتى نكاد نحسها قرار اتهام لكل منا، تلك المادة من ميثاق شرف إعلامي دولي، حين تقول: «إن الهدايا، والمجاملات، والرحلات المجانية، والمعاملة الخاصة أو الامتيازات... كل هذه يمكنها أن تؤدي إلى تنازل الصحافي عن أمانته وعن أمانة صحيفته.ولا يجب على الصحف قبول أي شيء له قيمة مجانا».
فضلاً عن إصابتنا أخيراً بسندروم هوس الانتقال من العمود الصحافي إلى العمود الحزبي أو السياسي أو النيابي أو الوزاري، وخصوصاً ودائماً العمود المالي...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire